فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما الكلام في {اللهم} فقد تقدم بالاستقصاء في سورة آل عمران في قوله: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء} [آل عمران: 26] فقوله: {اللهم} نداء، وقوله: {رَبَّنَا} نداء ثان وأما قوله: {تَكُونُ لَنَا} صفة للمائدة وليس بجواب للأمر، وفي قراءة عبد الله: {تَكُنْ} لأنه جعله جواب الأمر.
قال الفراء: وما كان من نكرة قد وقع عليها أمر جاز في الفعل بعده الجزم والرفع، ومثاله قوله تعالى: {فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِى} [مريم: 5- 6] بالجزم والرفع {فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ رِدْءًا يُصَدّقُنِى} [القصص: 34] بالجزم والرفع، وأما قوله: {عِيدًا لأوَّلِنَا وَءاخِرِنَا} أي نتخذ اليوم الذي تنزل فيه المائدة عيدًا نعظمه نحن ومن يأتي بعدنا، ونزلت يوم الأحد فاتخذه النصارى عيدًا، والعيد في اللغة اسم لما عاد إليك في وقت معلوم، واشتقاقه من عاد يعود فأصله هو العود، فسمي العيد عيدًا لأنه يعود كل سنة بفرح جديد، وقوله: {وآية منك} أي دلالة على توحيدك وصحة نبوة رسولك {وارزقنا} أي وارزقنا طعامًا نأكله وأنت خير الرازقين. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ} إنما زيدت الميم في آخر اللهم مثقلة عوضًا عن حرف النداء، فلم يجز أن يدخل عليه حرف النداء فلا يقال يا اللهم لأن الميم المُعَوِّضة منه أغنت عنه، فأما قول الشاعر:
وما عليك أن تقولي كلما ** سبحت أو هللت يا اللهم

أردد علينا شيخنا مسلما ** فإننا من خيره لن نعْدَما

فلأن ضرورة الشعر جوَّزَتْه.
سأل عيسى ربه، أن ينزل عليهم المائدة التي سألوه، وفي سؤاله وجهان:
أحدهما: أنه تفضل عليهم بالسؤال، وهذا قول من زعم أن السؤال بعد استحكام المعرفة.
والثاني: أنه رغبة منه إلى الله تعالى في إظهار صدقه لهم، وهذا قول من زعم أن السؤال قبل استحكام المعرفة. اهـ.

.قال ابن عطية:

ذكر الله تعالى عن عيسى أنه أجابهم إلى دعاء الله في أمر المائدة. فروي أنه لبس جبة شعر ورداء شعر وقام يصلي ويبكي ويدعو. و{اللهم} عند سيبويه أصلها يا الله فجعلت الميمان بدلًا من ياء و{ربنا} منادى آخر، ولا يكون صفة لأن {اللهم} يجري مجرى الأصوات من أجل ما لحقه من التغيير، وقرأ الجمهور {تكون لنا} على الصفة للمائدة. وقرأ ابن مسعود والأعمش {تكن لنا} على جواب {أنزل} والعيد: المجتمع واليوم المشهود، وعرفه أن يقال فيما يستدير بالسنة أو بالشهر والجمعة ونحوه. وهو من عاد يعود فأصله الواو ولكن لزمته الياء من أجل كسرة العين، وقرأ جمهور الناس {لأولنا وآخرنا} وقرأ زيد بن ثابت وابن محيصن والجحدري: {لأولنا وأخرانا}. واختلف المتأولون في معنى ذلك، فقال السدي وقتادة وابن جريج وسفيان: لأولنا معناه لأول الأمة ثم لمن بعدهم حتى لآخرها يتخذون ذلك اليوم عيدًا. وروي عن ابن عباس أن المعنى يكون مجتمعًا لجميعنا أولنا وآخرنا، قال: وأكل من المائدة حين وضعت أول الناس كما أكل آخرهم.
قال القاضي أبو محمد: فالعيد على هذا لا يراد به المستدير. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ} لما رأى عليه السلام أن لهم غَرَضًا صحيحًا في ذلك، وأنهم لا يُقلعون عنه، أزمعَ على استدعائها واستنزالها، وأراد أن يُلزِمَهم الحجةَ بكمالها.
رُوي أنه عليه الصلاة والسلام اغتسل ولبس المِسْح وصلى ركعتين فطأطأ رأسه وغض بصرَه ثم قال: {اللهم رَبَّنَا} ربنا، ناداه سبحانه وتعالى مرتين، مرةً بوصف الألوهية الجامعةِ لجميع الكمالات، ومرةً بوصف الربوبية المُنْبئةِ عن التربية، وإظهارًا لغاية التضرّع، ومبالغةً في الاستدعاء {أُنزِلَ عَلَيْنَا} تقديمُ الظرف على قوله: {مَائِدَةً} لما مر مرارًا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، وقوله: {مّنَ السماء} متعلق بأنزل أو بمحذوفٍ هو صفةٌ لمائدة، أي كائنةً من السماء نازلةً منها.
وقوله: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا} في محل النصب على أنه صفةٌ لمائدة، واسم تكون ضمير المائدة، وخبرُها إما عيدًا و{لنا} حال منه، أو من ضمير {تكون} عند من يجوِّز إعمالَها في الحال، وإما {لنا}، وعيدًا حال من الضمير في لنا، لأنه وقع خبرًا فيحمِلُ ضميرًا، أو من ضمير {تكون} عند من يرى ذلك، أي يكون يومُ نزولها عيدًا نعظمه، وإنما أُسند ذلك إلى المائدة لأن شرَفَ اليوم مستعار من شرفها، وقيل: العيدُ السرورُ العائد، ولذلك سمِّيَ يومُ العيد عيدًا، وقرئ {تكن} بالجزم على جواب الأمر كما في قوله: {فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِى} خلا أن قراءةَ الجزم هناك متواترة وهاهنا من الشواذ {لأوَّلِنَا وَءاخِرِنَا} بدل من {لنا} بإعادة العامل، أي عيدًا لمتقدمينا ومتأخرينا. رُوي أنها نزلت يوم الأحد، ولذلك اتخذه النصارى عيدًا، وقيل: للرؤساء منا والأتباع، وقيل: يأكل منها أولُنا وآخرُنا، وقرئ {لأُولانا وأُخْرانا} بمعنى الأمة والطائفة {وَءايَةٌ} عطف على عيدًا {مِنكَ} متعلق بمحذوف وهو صفة لآية، أي كائنةً منك دالةً على كمال قدرتك وصحةِ نبوتي {وارزقنا} أي المائدة أو الشكر عليها {وَأَنتَ خَيْرُ الرازقين} تذييلٌ جارٍ مَجْرى التعليل، أي خيرُ من يرزق لأنه خالقُ الأرزاق ومعطيها بلا عِوَض، وفي إقباله عليه السلام على الدعاء بتكرير النداء المُنْبئ عن كمال الضراعة والابتهال وزيادتِه ما لم يخطُرْ ببال السائلين من الأمور الداعية إلى الإجابة والقَبول دلالةٌ واضحةٌ على أنهم كانوا مؤمنين، وأن سؤالهم كان لتحصيل الطمأنينة، كما في قول إبراهيم عليه السلام. اهـ.

.قال ابن عاشور:

إن كان قوله: {إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدة من السماء} [المائدة: 112] من تمام الكلام الذي يلقيه الله على عيسى يوم يجمع الله الرسل كانت هذه الجملة وهي {قال عيسى ابن مريم اللهمّ ربّنا أنزل علينا مائدة} إلخ.
معترضة بين جملة {وإذ أوحيت إلى الحواريّين} [المائدة: 111] وجملة {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس} [المائدة: 116] الآية.
وإن كان قوله: {إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن ينزّل} [المائدة: 112] الآية ابتداء كلام بتقدير فعل اذكر كانت جملة: {قال عيسى ابن مريم اللهم ربّنا} الآية مجاوبة لقول الحواريّين {يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك} [المائدة: 112] الآية على طريقة حكاية المحاورات.
وقوله: {اللهمّ ربّنا أنزل علينا مائدة} اشتمل على نداءين، إذ كان قوله: {ربّنا} بتقدير حرفِ النداء.
كرّر النداء مبالغة في الضراعة.
وليس قوله: {ربّنا} بدلًا ولا بيانًا من اسم الجلالة، لأنّ نداء {اللهمّ} لا يتبع عند جمهور النحاة لأنّه جار مجرى أسماء الأصوات من أجل ما لحقه من التغيير حتى صار كأسماء الأفعال.
ومن النحاة من أجاز إتْباعه، وأيًّا ما كان فإنّ اعتباره نداء ثانيًا أبلغ هنا لاسيما وقد شاع نداء الله تعالى: {ربّنا} مع حذف حرف النداء كما في الآيات الخواتم من سورة آل عمران.
وجمع عيسى بين النداء باسم الذات الجامع لصفات الجلال وبين النداء بوصف الربوبية له وللحواريّين استعطافًا لله ليجيب دعاءهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} أي عائدًا من علينا وحجة وبرهانًا والعيد اسم لما أعتد به وعاد إليك من كل شيء ومنه قيل: أيام الفطر والأضحى عيد لأنهما يعودان كل سنة.
ويقال: لطيف الخيال عيد.
قال الشاعر:
يا عيد مالك من شوق وإيراق ** ومرّ طيف على الأهوال طراق

فقال آخر:
اعتاد قلبك من جبينك عود ** شق عناك فأنت عنه تذود

وأنشد الفراء:
فوا كبدي من لاعج الحب والهوى ** إذا اعتاد قلبي من أميمة عيدها

وأصله عود بالواو ولأنه من عاد يعود إذا رجع فقلبت الواو بالكسرة ما قبلها مثل النيران والميقات والميعاد.
قال السدي: معناه نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدًا نعظمه نحن ومن بعدنا.
وقال سفيان: نصلي فيه.
وقال الخليل بن أحمد: العيد كل يوم مجمع كأنهم عادوا إليه.
وقال ابن الأنصاري: سمي العيد عيدًا للعود من الترح إلى الفرح فهو يوم سرور للخلق كلهم ألا ترى أن المسجونين لا يطالبون ولا يعاقبون ولا تصطاد فيه الوحوش والطيور ولا ينفذ الصبيان إلى المكتب، وقيل: سمي عيدًا لأن كل إنسان يعود إلى قدر منزلته ألا ترى إختلاف ملابسهم وأحوالهم وأفعالهم فمنهم من يضيف ومنهم من يضاف ومنهم من يظلم ومنهم من يرحم، وقيل: سمي بذلك لأنه يوم شريف فاضل تشبيهًا بالعيد وهو فحل نجيب كريم ومشهور في العرب وينسبون إليه فيقال: إبل عيدية. قال الراعي:
عيد به طويت على زفراتها ** طي القناطر قد نزلن نزولا

وقوله: {لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} يعني قبل زماننا ولمن يجيء بعدنا.
وقرأ زيد بن ثابت: لأولنا وآخرنا على الجميع.
وقال ابن عباس: يعني نأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ومعنى {تكون لنا عيدًا} أي يكون تذكّر نزولها بأن يجعلوا اليوم الموافق يوم نزولها من كلّ سنة عيدًا، فإسناد الكون عيدًا للمائدة إسناد مجازي، وإنّما العيد اليوم الموافق ليوم نزولها، ولذلك قال: {لأوّلنا وآخرنا}، أي لأوّل أمّة النصرانية وآخرها، وهم الذين ختمت بهم النصرانية عند البعثة المحمدية.
والعيد اسم ليوم يعود كلّ سنة، ذكرى لنعمة أو حادثة وقعت فيه للشكر أو للاعتبار.
وقد ورد ذكره في كلام العرب.
وأشهر ما كانت الأعياد في العرب عند النصارى منهم، قال العجاج:
كمَا يعُودُ العيدَ نصرانيّ

مثل يوم السباسب في قول النابغة:
يُحَيَّوْنَ بالرّيْحَان يوْمَ السَّبَاسب

وهو عيد الشعانين عند النصارى.
وقد سمّى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر عيدًا في قوله لأبي بكر لمَّا نهى الجواريَ اللاّء كنّ يغَنِّين عند عائشة «إنّ لكلّ قوم عيدًا وهذا عيدنا» وسمّى يوم النحر عيدًا في قوله: «شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجّة».